الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
.قال الفخر: الأول: قال الأصم: أنه الرسول عليه الصلاة والسلام كان يدعوهم إلى القتال. الثاني: روي أن عبد الله بن أبي بن سلول لما خرج بعسكره إلى أحد قالوا: لم نلقي أنفسنا في القتل، فرجعوا وكانوا ثلثمائة من جملة الألف الذين خرج بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال لهم عبد الله بن عمرو بن حرام أبو جابر بن عبد الله الأنصاري: أذكركم الله أن تخذلوا نبيكم وقومكم عند حضور العدو، فهذا هو المراد من قوله تعالى: {وَقِيلَ لَهُمْ} يعني قول عبد الله هذا. اهـ. وقال الفخر: قوله: {قَاتِلُواْ في سَبِيلِ الله أَوِ ادفعوا} يعني إن كان في قلبكم حب الدين والإسلام فقاتلوا للدين والإسلام، وإن لم تكونوا كذلك، فقاتلوا دفعًا عن أنفسكم وأهليكم وأموالكم، يعني كونوا إما من رجال الدين، أو من رجال الدنيا. قال السدي وابن جريج: ادفعوا عنا العدو بتكثير سوادنا إن لم تقاتلوا معنا، قالوا: لأن الكثرة أحد أسباب الهيبة والعظمة، والأول هو الوجه. اهـ. وقال الفخر: قوله تعالى: {قَاتِلُواْ في سَبِيلِ الله أَوِ ادفعوا} تصريح بأنهم قدموا طلب الدين على طلب الدنيا، وذلك يدل على أن المسلم لابد وأن يقدم الدين على الدنيا في كل المهمات. اهـ. قوله تعالى: {قَالُواْ لَوْ نَعْلَمُ قِتَالًا لاتبعناكم هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ للإيمان}. هذا هو الجواب الذي ذكره المنافقون وفيه وجهان: الأول: أن يكون المراد أن الفريقين لا يقتتلان ألبتة، فلهذا رجعنا. الثاني: أن يكون المعنى لو نعلم ما يصلح أن يسمى قتالا لاتبعناكم، يعني أن الذي يقدمون عليه لا يقال له قتال، وإنما هو إلقاء النفس في التهلكة لأن رأي عبد الله كان في الإقامة بالمدينة، وما كان يستصوب الخروج. واعلم أنه إن كان المراد من هذا الكلام هو الوجه الأول فهو فاسد، وذلك لأن الظن في أحوال الدنيا قائم مقام العلم، وأمارات حصول القتال كانت ظاهرة في ذلك اليوم، ولو قيل لهذا المنافق الذي ذكر هذا الجواب: فينبغي لك لو شاهدت من شهر سيفه في الحرب أن لا تقدم على مقاتلته لأنك لا تعلم منه قتالا، وكذا القول في سائر التصرفات في أمور الدنيا، بل الحق أن الجهاد واجب عند ظهور أمارات المحاربة، ولا أمارات أقوى من قربهم من المدينة عند جبل أحد، فدل ذكر هذا الجواب على غاية الخزي والنفاق، وإنه كان غرضهم من ذكر هذا الجواب إما التلبيس، وإما الاستهزاء. وأما إن كان مراد المنافق هو الوجه الثاني فهو أيضا باطل، لأن الله تعالى لما وعدهم بالنصرة والإعانة لم يكن الخروج إلى ذلك القتال إلقاء للنفس في التهلكة. اهـ. .من أقوال المفسرين في قوله تعالى: {هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ للإيمان}: .قال الفخر: الأول: أنهم كانوا قبل هذه الواقعة يظهرون الإيمان من أنفسهم وما ظهرت منهم أمارة تدل على كفرهم، فلما رجعوا عن عسكر المؤمنين تباعدوا بذلك عن أن يظن بهم كونهم مؤمنين. واعلم أن رجوعهم عن معاونة المسلمين دل على أنهم ليسوا من المسلمين، وأيضا قولهم: {لَوْ نَعْلَمُ قِتَالًا لاتبعناكم} يدل على أنهم ليسوا من المسلمين، وذلك لأنا بينا أن هذا الكلام يدل إما على السخرية بالمسلمين، وإما على عدم الوثوق بقول النبي صلى الله عليه وسلم وكل واحد منهما كفر. الوجه الثاني: في التأويل أن يكون المراد أنهم لأهل الكفر أقرب نصرة منهم لأهل الإيمان، لأن تقليلهم سواد المسلمين بالانعزال يجر إلى تقوية المشركين. اهـ. .قال ابن عاشور: أي إنّ عذرهم ظاهر الكذب، وإرادة تفشيل المسلمين، والقرب مجاز في ظهور الكفر عليهم. اهـ. .قال الفخر: وقال الواحدي في البسيط: هذه الآية دليل على أن من أتى بكلمة التوحيد لم يكفر ولم يطلق القول بتكفيره، لأنه تعالى لم يطلق القول بكفرهم مع أنهم كانوا كافرين، لاظهارهم القول بلا إله إلا الله محمد رسول الله. اهـ. .قال أبو حيان: ويحتمل أن يحمل على القرب من حيث كانوا شاكين في الأمر، والشاك في أمر الكفر والإيمان تارك للإيمان، فهو أقرب إلى الكفر. أو من حيث قالوا للمؤمنين: {ألم نكن معكم} وللكافرين: {ألم نستحوذ عليكم ونمنعكم من المؤمنين} أو من حيث ما أظهروا من الإيمان كذب، والكفر نفسه كذب. فما أظهروا من الإيمان فهو كذب إلى الكذب الذي هم أقرب إليه وهو الكفر، أو من حيث أنهم أحق به أن يعرفوا. كما جعل الله لهم أعلامًا يعرفون بها، أو من حيث لا يعبدون الله ولا يعرفونه، بل هم عباد الأصنام لاتخاذهم لها أربابًا، أو لتقرّبهم بها إلى الله، فإذا أصابتهم شدّة فرعوا إلى الله، والمؤمنون يرجعون إلى الله في الشدّة والرخاء. اهـ. .من أقوال المفسرين في قوله تعالى: {يَقُولُونَ بأفواههم مَّا لَيْسَ في قُلُوبِهِمْ}: .قال الألوسي: .قال الفخر: .قال الزمخشري: .قال أبو حيان: ولا يظهر أنه توكيد، إذِ القولُ ينطلق على اللساني والنفساني، فهو مخصص لأحد الانطلاقين إلا إنْ قلنا: إنّ إطلاقه على النفساني مجاز، فيكون إذ ذاك توكيدًا لحقيقة القول. اهـ. .من أقوال المفسرين في قوله تعالى: {والله أَعْلَمُ بِمَا يَكْتُمُونَ}: .قال الألوسي: .قال أبو السعود: .قال الجصاص: قَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَفِي هَذَا دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ فَرْضَ الْحُضُورِ لَازِمٌ لِمَنْ كَانَ فِي حُضُورِهِ نَفْعٌ فِي تَكْثِيرِ السَّوَادِ وَالدَّفْعِ وَفِي الْقِيَامِ عَلَى الْخَيْلِ إذَا اُحْتِيجَ إلَيْهِمْ. اهـ. .سؤال وجواب: قلنا: المراد أن الله تعالى يعلم من تفاصيل تلك الأحوال ما لا يعلمه غيره. اهـ. .فوائد لغوية وإعرابية: قوله: {وَلْيَعْلَمَ الذين نَافَقُواْ} قال الواحدي: يقال: نَافَقَ الرَّجُلُ- فهو منافقٌ- إذا أظهر كلمة الإيمان، وأضمَر خلافَها، والنفاق اسم إسلامي، اختلِف في اشتقاقه على وجوهٍ: أحدها: قال أبو عبيد: من نافقاء اليربوع؛ لأن حجر اليربوع لها بابان: القاصعاء، والنافقاء، فإذا طلب من أيهما خرج من الآخر، فقيل للمنافق: أنه منافق لأنه وضع لنفسه طريقين: إظهار الإسلام، وإضمار الكُفْرِ، فمن أيهما طُلِب خرج من الآخر. الثاني: قال ابنُ الأنباري: المنافق من النَّفَق، وهو السربُ، ومعناه: أنه يتستّر بالإسلام كما يتستَّر الرجُلُ في السِّرْبِ. الثالث: أنه مأخوذٌ من النافقاء، ولكن على غير الوجه الذي ذكره أبو عبيدٍ، وهو أن النافقاء جثحْر يحفره اليربوعُ في داخل الأرضِ، ثم أنه يُرقِّق ما فوقَ الجُحر، حتى إذا رابه رَيْبٌ، رفع التراب برأسه وخرج، فقيل للمنافق: منافق؛ لأنه أضمر الكُفْرَ في باطنه، فإذا فتشته رمى عنه ذلك الكفر، وتمسَّك بالإسلام. قوله: {وَقِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْاْ قَاتِلُواْ} هذه الجملة تحتمل وجهين: الأول: أنْ تكونَ استئنافية، أخبر الله أنهم مأمورونَ إما بالقتال، وإما بالدَّفْع، أي: تكثير سواد المسلمين. الثاني: أن تكون معطوفة على {نافقوا} فتكون داخلة في صلة الموصول، أي: ليعلم الذين حصل منهم النفاقُ والقول بكذا و{تعالوا} و{قاتلوا} كلاهما قام مقام الفاعل لـ {قيل} لأنه هو المقول. قال أبو البقاء: إنما لم يأتي بحرف العطف- يعني بين {تعالوا} و{قاتلوا}- لأنه أراد أن يجعل كل واحدةٍ من الجملتين مقصودة بنفسها، ويجوز أن يقال: إن المقصودَ هو الأمر بالقتال، و{تعالوا} ذكر ما لو سكت عنه لكان في الكلام دليل عليه. وقيل: الأمر الثاني حال. يعني بقوله: {تعالوا} ذكر ما لو سكت، أن المقصود إنما أمرهم بالقتال، لا مجيئهم وحده، وجعله {قاتلوا} حالًا من {تعالوا} فاسد؛ لأن الجملة الحالية يُشْتَرط أن تكونَ خبرية، وهذه طلبية. قوله: {أو ادفعوا} {أو}- هنا- على بابها من التخيير والإباحة. وقيل: بمعنى الواو؛ لأنه طلب منهم القتال والدفع، والأول أصح. وقوله: {قَالُواْ لَوْ نَعْلَمُ قِتَالًا} إنما لم يَأتِ- في هذه الجُمْلة- بحرف عطف؛ لأنها جواب لسؤال سائل كأنه قيل: فما قالوا- لما قيل لهم ذلك-؟ فأجيب بأنهم قالوا ذلك. و{نعلم}- وإن كان مضارعًا- معناه المُضِيّ؛ لأن {لو} تخص المضارع، إذا كانت لما سيقع لوقوع غيره، ونكَّر {قتالًا} للتقليل، أي: لو علمنا بعض قتال ما. وهذا جواب المنافقين حين قيل لهم: {تَعَالَوْاْ قَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ الله أَوِ ادفعوا} فقال تعالى: {هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلإِيمَانِ}. {هم} مبتدأ، و{أقرب} خبره، وهو أفعل تفضيل، و{للكفر} متعلق به، وكذلك {للإيمان}. فإن قيل: لا يتعلق حرفا جر- متحدان لفظًا ومعنىً- بعامل واحد، إلا أن يكون أحدهما معطوفًا على الآخر، أو بدلًا منه، فكيف تعلقا بـ {أقرب}؟ فالجوابُ: أن هذا خاصٌّ بأفعل التفضيل، قالوا: لأنه في قوة عاملين، فإنّ قوة قولك زيدٌ أفضلُ مِنْ عَمْرو، معناه: يزيد فضله على فضل عمرو. وقال أبو البقاء: وجاز أن يعمل {أقرب} فيهما؛ لأنهما يشبهان الظرف، وكما عمل أطيب في قولهم: هذا بسرًا أطيب منه رُطبًا، في الظرفين المقدرين لأن أفعل يدل على معنيين- على أصل الفعلِ وزيادتهِ- فيعمل في كل واحد منهما بمعنى غير الأخر، فتقديره: يزيد قُرْبهم إلى الكفر على قربهم إلى الإيمان. ولا حاجة إلى تشبيه الجارين بالظرفين؛ لأن ظاهره أن المسوغ لتعلقهما بعامل واحد تشبيههما بالظرفين وليس كذلك، وقوله: الظرفين المقدَّرين، يعني أن المعنى: هذا في أوانِ بُسْرَيته أطيب منه. و{أقرب}- هنا- من القُرْب- الذي هو ضد البعدِ- ويتعدى بثلاثة حروف: اللام، وإلى ومن. تقول: قربت لك ومنك إليك، فإذا قلت: زيد أقرب من العلم من عمرو، فمن الولى المعدية لأصل معنى القرب، والثانية هي الجارة للمفضول، وإذا تقرر هذا فلا حاجة إلى ادعاء أن اللام بمعنى إلى.
|